الأحد, 09 كانون1/ديسمبر 2012 20:59

إهـمـال الأبوين لـلأبناء يبدأ في الـشارع وينـتهي بـالجريمة والإدمان والإرهاب

كتبه  نعيم تميم الحكيم
قييم هذا الموضوع
(1 تصويت)

حيرة، تساؤل، فقر وحرمان عاطفي، إهمال، عدم اهتمام ..كلها عناووين رئيسية لمشكلة الإهمال الأسري من قبل أوليا الأمور تجاه أبنائهم وبناتهم والتي بدأت تستشري في بيوتنا وتعد قنبلة قابلة للإنفجار في أي وقت، ومما زاد الطين بلة الدراسة الوحيدة التي أجريت حول هذه المشكلة التي أجرتها الدكتورة منيرة بنت عبد الرحمن آل سعود بعنوان «إيذاء الأطفال»وتوصلت من خلالها إلى أن أكثر أنواع إيذاء الأطفال التي تعامل معها الممارسون هي حالات الإيذاء البدني بنـسبة تصل إلى 91.5 في المائة وتليها حالات الأطفال المتعرضين للإهمال الأسري بنسبة 87.3 في المائة ثم حالات الإيذاء النفسي، ويليها الإيذاء الجنسي.

ولم تقتصر مشكلة الإهمال الأسري على الأسر المفككة والتي تحدث فيها حالات الطلاق والخصام بين الأبوين، بل إنها امتدت لتشمل أسرا مثقفة ومتعلمة، ربها يعمل في الدعوة أو في التدريس أو كرجل أعمال أو كمثقف يشغله عمله عن رعاية أبنائه والإهتمام بهم ونفس الكلام ينطبق على الأم التي تشغل بعملها أو بمهام أخرى ثانوية لكنها مقدمة على رعاية أبنائها والإهتمام بهم، وتحول هذه الإهمال إلى مشكلة تهدد كيان الأسر السعودية وتعصف بمستقبلها فكثير من الأبناء الذين يتعرضون للإهمال يتحولون إلى الانحراف الأخلاقي والسلوكي والفكري ويقعون في مستنقع الجريمة، ووحل الرذيلة وبركة الإرهاب المتسخة بحثا عمن يحتويهم بعد أن فقدوا الإهتمام والتربية والتوجيه «عكاظ» فتحت ملف الإهمال الأسري وناقشت أسبابه وكونه ظاهرة أم لا وأهمية وجود دراسات ميدانية لقياسه وإبرز الحلول المواجهة لهذه المشكلة واستعرضت الدراسة التي أجريت في هذا الصدد مع جملة من العلماء والمفكرين والمختصين في مجال التربية وعلم النفس والاجتماع وشؤون الأسرة والإعلام، وخرجت بالمحصلة التالية: 


يرى الداعية الدكتور عوض القرني أن إهمال الأبناء والبنات وعدم الإهتمام الكافي بتربيتهم يعتبر عملا غير جائز شرعا وآثم صاحبه، مشيرا إلى أن مسألة إهمال أولياء الأمور لأبنائهم وبناتهم موجودة خصوصا بين فئة الدعاة والأكاديميين والمثقفين وحتى العامة، لكن هل تعتبر ظاهرة؟ إجابة هذا السؤال لا يمكن التثبت منها إلا بعد دراسة واعية ومسح دقيقين.
فعندما يستشعر الآباء والأمهات مسؤولياتهم تجاه أبنائهم و يعرفون أنهم مسؤولون من الناحية الشرعية عن رعايتهم والاهتمام بهم، لا شك أن رعايتهم أكثر وجوبا من مسؤوليتهم نحو المجتمع والعالم، فعندها سيصرفون جهودهم واهتمامهم الأكبر لأبنائهم، ويسيرون على منهج الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ( كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته )، فمسؤولية الآباء نحو أبنائهم تتجاوز قضية الأكل والشرب إلى تربيتهم وتثقيفهم وإحطاتهم بالعطف والحنان والرعاية والاهتمام، ولابد أن يعلم الآباء أن التقصير في تربيتهم قد يكون معوقا لهم في رسالتهم التي يحملونها للعالم، وهذا التعويق سيثقل على كواهلهم ويثبط هممهم وتعظم المشكلة والعالم لن يقبل منهم هذا التفريط في فلذات أكبادهم.
وطالب القرني أن يقوم الدعاة وخطباء المساجد بمسؤوليتهم في هذا المجال لتوعية الآباء فالمشكلة غير ظاهرة، ولم تطف على السطح بعد، وإذا طفت فلربما أحدثت مشاكل أكبر قد تؤدي إلى زعزعة المجتمع وفكره.
مقومات الحوار
وأرجع رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب في مجلس الشورى الدكتور طلال بكري سبب ضياع الأبناء إلى الوضع الحياتي الحالي الذي انعدمت فيه مقومات الحوار بين أولياء الأمور وأبنائهم، وتحول الحوار إلى طريقة معينة، فيها نوع من العقوق من جانب الأبناء من جهة، ومن الغلظة والشدة المنفرة من جهة الآباء مما سبب انعداما للحوار في المنزل، ظروف الحياة حولت منازلنا إلى بيوت داخل بيوت فأصبح لكل ابن أو ابنه عالمهما المستقل عن أولياء أمورهم في ظل تواجد الجوال لكل شخص والإنترنت وجهاز الحاسب الآلي مما عزل أولياء الأمور عن أبنائهم، ولم تعد هناك سيطرة من الآباء على الأبناء، وزاد الطين بله زيادة إنشغال الآباء والأمهات بأعمالهم، فأصبحت صلة الوصل بين الطرفين هم الخدم.
وتابع قائلا : لم تتوقف الأمور عند هذا الحد فنتيجة للتراكمات السابقة تمرد الأبناء على أولياء أمورهم وأصبح لهم رأيهم المستقل فاستسلم الآباء والأمهات للوضع الراهن دون أن يعيدوا حساباتهم ويعطوا الجوانب التربوية العناية المطلوبة، وهذه خطوة للوراء في تشكيل أسرة سليمة تكون محاضن إيجابية لتربية وتنشئة الأبناء بشكل صحيح، لذلك لابد أن نتدراك ما يمكن تداركه وننمي الحصانة الذاتية لدى الأبناء القائمة على التعاليم الإسلامية بحيث تكون خط الدفاع الأول مع رفع الثقة المتبادلة بين الأبناء وأولياء أمورهم، ولكننا لن نوجد مجتمعا مثاليا لأن الإنحراف لايمكن ضبطه وإنما يمكن أن نقلله ونحصره فلاوجود للمجتمعات المثالية في الكون.
وبين أن مجلس الشورى سبق وأن ناقش قضايا الإهمال الأسري والعنف وحماية الأطفال من الإيذاء، ووضع ضمن مهام المجلس الأعلى للأسرة التي تمت الموافقة على إنشائها معالجة قضية الإهمال الأسري ومحاولة ردم الفجوة بين الآباء والأبناء، واستدرك قائلا : لكن المشكلة لا تكمن في سن القوانين والتشريعات وإيجاد الاستراتيجيات،لكن ما ينقصنا هو تفعيل هذه القرارات والأنظمة والاستراتيجيات وتطبيقها على أرض الواقع بالإضافة لإيجاد آليات للتطبيق لضمان تنفيذ هذه القرارات وتحويلها من حبر على ورق إلى أمور يستفيد منها المجتمع.
دراسات قليلة
وحول الدراسات التي تدور حول المشكلة والآثار السلبية للإهمال الأسري تحدث خبير الطفولة باللجنة الوطنية للطفولة الدكتور عبد الرحمن بن عبدالله الصبيحي قائلا: تشير الكثير من الدراسات العربية إلى أن أكثر ما يتعرض له الطفل العربي هو الإهمال ثم يلي ذلك الإساءة فالإيذاء، والمجتمع السعودي هو جزء من العالم العربي لذا فإن أغلبية الدراسات السعودية على قلتها تجمع على أن إهمال الأطفال يأتي في المرتبة الأولى بين قضايا التربية الأسرية، بل وحتى على مستوى المدرسة فإن الإهمال يكاد يكون هو المسيطر على الواقع المدرسي، وأضاف: إهمال الأطفال قضية لم تعط الاهتمام الكافي في المجتمع السعودي بسبب أن هناك إرثا ثقافيا يرى أن كثيرا من الأمور التي ينظر إليها العلم على أنها إهمال تعد إهمالا، والمتعارف عليه بين العامة هو أن الأب مادام يقدم لأطفاله المسكن والملبس والمأكل فإنه بذلك يكون قد قام بواجبه الأبوي حق القيام،في حين أن الإهمال يتناول قضايا هامة تتعلق بمتابعة نفسيات الأبناء ودراستهم والتعرف على أصدقائهم، إضافة إلى معرفة ما يدور في عقولهم من أفكار وأسئلة يحتاجون إجابات عليها، وحين لايجد الطفل إجابة من والديه على تلك الأسئلة فإنه يلجأ للأصدقاء والجيران للحصول على إجابات عن تلك الأسئلة، والتي قد يكون بعض منها إجابات خاطئة ومضلله.
وتابع : إن إهمال الأبناء لأبنائهم في جلوسهم في البيت وقضاء وقتهم في ما لا ينفعهم أو يضرهم في فكرهم وسلوكياتهم يعد من الأمور الشائعة في المجتمع السعودي، فنجد الأب يهيئ لأبنائه كل وسائل الترفيه والتسلية دون أن يتفحص محتوى تلك الوسائل، خصوصا أن كثيرا من الألعاب الإكترونية أصبحت تحوي أفكارا تخريبية وتدميرية وإرهابية إضافة إلى الأفكار التي تخالف العقيدة الإسلامية،كما أن السماح لهم بالخروج في أي وقت ومع أي شخص يعد خطرا داهما، وقد يترتب على ذلك أيضا انحرافهم في الجريمة بكافة أشكالها، أو سقوطهم ضحايا لإدمان المخدرات أو المتاجرة بها، ومعلوم أن السبب الأول في الوقوع في شرك الإدمان على المخدرات هو إهمال البيت للابن حتى يصبح فريسة لتلك الآفة.
وختم الصبيحي حديثه قائلا: الغريب أن تجد بعض الآباء من الصالحين والدعاة والتربويين ومع ذلك تجد آخر ما يفكر فيه هو رعاية أبنائه بحجة أن عمله يأخذ وقته عن رعاية الأبناء، في حين أن من الأولى أن يكون اهتمامه منصبا على تربية أبنائه ورعايتهم، والفئة الأسوأ من الآباء الذين يقضون أغلب وقتهم من أصحابهم ويرون أن البيت هو مكان للأكل والنوم، تاركا رعاية الأبناء على الأم التي لن تستطيع أن تقوم بكامل الدور في رعايتهم دون وقوف الأب معها وبجانبها.
عوامل نفسية
أما الكاتبة والباحثة الاجتماعية والتربوية الدكتورة ميسون الدخيل فترى أن هذه القضية مهمة وشائكة قد تؤدي إلى عوامل نفسية تؤثر سلبا على حياة الأبناء المهملين، فالطفل عندما يجد إهمالا أو تقصيرا من والديه خصوصا في قضايا الحب والعطف والحنان والاهتمام بفكره وآرائه وتنميتها بشكل صحيح وسليم فإن ذلك سينعكس على سلوكه فيتحول لشخص عدواني، وقد يحاول الانتحار أو يلجأ للخارج ليعوض ما فقده من حنان وحب واهتمام الأبوين سواء كان ذكرا أو أنثى، وقد يؤثر هذا الإهمال على نفسية الأبناء بشكل يشمل كل حياتهم فيتأثر تحصيلهم العلمي ويقل تركيزهم ويكثر تشتتهم وتبدأ رحلة الضياع بالنسبة للطفل، وربما يشمل ذلك حتى حياته المستقبلية التي قد يحاول أن يطبق فيها ما تعرض له من إهمال وهو صغير، ونفس الكلام ينطبق على العنف الأسري فمن مورس عليه صغيرا مارسه على من حوله كبيرا سواء زوجته وأبنائه.
واقترحت الدخيل جملة من الحلول لمواجهة هذه المعضلة أهمها إقامة دورات للمقبلين على الزواج لتوعيتهم بأهمية الحياة الزوجية، وكيفية التعامل مع الأبناء وتعزيز الحوار الأسري وإنشاء مراكز أسرية في المملكة للاهتمام بالأسرة وقيام المسجد والمدرسة ووسائل الإعلام بأدورهم في التوعية وغرس قيم الحوار المتبادل التي تؤسس مجتمعا تسوده المحبة والوئام.
الاعتداء العاطفي
ومن جانب تربوي، وصفت الباحثة في حقوق الطفل وأخصائية علم النفس التربوي الإدراكي في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومراكز الأبحاث عضو منظمة اليونسيف الدكتورة أمل خليفة الجمل التي يثني بها الأباء أبناءهم مثل: «من ينجح أمنحه جائزة»، و«من ينام مبكرا أقبله»، وغيرهما بأنها اعتداء عاطفي على الأطفال بسبب استخدام عاطفة الحب كأداة للمساومة، وتقييم إنجازات الطفل بالمال. وقالت: إن من الأخطاء الشائعة التي تقع على الأطفال التهديد بالضرب وتخويف الطفل بحيوانات أو كائنات خيالية، ورفض الطفل وعدم تقبيله أو احتضانه، وتسمية الطفل أو وصفه بأسماء مشينة، وازدواجية القوانين بالنسبة للذكر والأنثى، وأيضا السماح لهم بمشاهدة كل ما يعرض في التلفاز من برامج من دون أدنى اعتبار للمحتوى وتركهم ساهرين لوقت متأخر من الليل أيام الإجازة، إضافة إلى عدم وجود خطوط وقوانين واضحة يمشي عليها الطفل وهو ما أسمته «التربية حسب الأهواء» من قبل الوالدين، وترك مسؤولية تربية الأطفال على الخادمة والسائق. وأضافت أن عددا من الوالدين يتصرفون مع أطفالهم بازدراء وذلك باعتقادهم أنهم ما زالوا صغارا ولا يفهمون، كما يجرحونهم بالكلام ويصرخون في وجوههم، ويقارنونهم بغيرهم، كأن يقترحوا على أولادهم بأن يفعلوا مثل فلان من الأطفال، مع تهديدهم بالضرب أو يتعمدوا توبيخ أطفالهم أمام الآخرين، وغيرها من التصرفات التي تمثل اعتداء عاطفيا عليهم، قلت إن نتائج الاعتداء العاطفي على الأطفال تظهر من خلال تصرفات الطفل ككره لذاته، وعدم إحساس الطفل بأهميته وقيمته الذاتية، وإحساسه بالضعف، وعدم معرفته بقدراته، ولا يعرف كيف يستخدمها، إضافة إلى الخجل والانطواء الشديد وسرعة الغضب والتأتأة والتلعثم والخوف من المواجهة والتردد واللامبالاة وعدم تحمل المسؤولية إلى جانب التبول اللاإرادي، حتى بعد بلوغه سن الرابعة، وأيضا عقد صداقات خيالية، والتحايل بالكذب، وادعاء المرض، والتمرد والعصيان والتخريب.
وتابعت خليفة: بعض الأمهات يهملن أطفالهن نفسيا وعاطفيا وتعليميا، خصوصا إذا لم تكن الأم قدوة ومنشغلة دائما عنهم ولا تعطي الاهتمام لاحتياجاتهم، فنرى كثيرا من الأغنياء فقراء في المشاعر، لكن الإهمال يعد جريمة يعاقب عليها القانون في جميع دول العالم؛ لأن كل إنسان يوجد بداخله مشاعر، وإهمال هذه المشاعر جريمة بحق الطفل. كما أن العاطفة هي حاجة الإنسان في هذه الحياة، وهناك دراسات غربية تفيد أن بعض الأطفال قد ماتوا بسبب فقرهم للعاطفة والحنان من قبل الأبوين، وهنا يبرز دور الأبوين في ضرورة رعاية الأبناء والوقوف بجانبهم والتواجد في حياتهم بشكل مستمر حتى سن 12عاما حتى لا يلجأ الأبناء بعد ذلك إلى علاقات محرمة يعوضون بها ما فقدوه من حنان واهتمام الأبوين. وكثير من الآباء يطالبون الأبناء بالاعتدال وانتهاج سلوك سليم وصحيح دون أن يكونوا قدوة لهم، فبالتالي لا يؤثر كلامه ما لم يشكل الأبوان قدوة لهم في جميع مناحي حياتهم.
رؤية ميدانية
وفي رؤية ميدانية للمشكلة، قال الباحث الاجتماعي في مجال الأسرة الدكتور خالد الحليبي: اطلعت على دراسة في واقع العلاقة الوالدية في المملكة فوجدت أن أكثرها تقوم على الإهمال، ولذلك تنشأ لدينا ظواهر سيئة في الشباب والشابات، ولا نستطيع أن نجد لها حلا، لأن العلاقة مبتورة بين الأسرة والولد، لقد استمعت إلى عدد كبير من الآباء والأمهات يشتكون من فلذات أكبادهم شكوى مريرة، تتمعر فيها وجوه الرجال، وتذرف لها عيون النساء، والحيرة واليأس والتسليم المر والرعب من المستقبل نتائج مخيفة أصبحت تسيطر على نفوس هؤلاء الأولياء الأشقياء بثمرات نفوسهم، وتابع : كل أب أو أم يرفع دعوى التمرد هذه ويعدد صوره، ويكثر من التشكي دون محاولة للبحث عن الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة المدمرة لبنية الأسرة، لذلك فهي قضية هائلة تحتاج إلى حلول جذرية، فالأمر يمس أهم العلاقات في دنيا الإنسان، والتي تؤثر سلبا أو إيجابا على سلامة المجتمع تأثيرا مباشرا، فالإنسان المطلوب لبناء مجتمعه وأمته هو ذلك الإنسان السوي نفسيا قبل أن يكون سويا في عقله وجسده، وهذه الثمرة لا يمكن قطفها إلا من منزل هادئ الأركان، يتعايش أهله بكل حب وحنان، ويتربى على الإيمان والاستقامة، ولا شك أن من أبرز أسباب نشوء الشعور العدواني في نفس الإنسان حياته في جو صاخب، مقطع العلاقات، لا يشعر فيه بالأمن النفسي، والراحة القلبية، لذلك فإني أرى أن جذور القضية تعود إلى التربية الأولى، حيث يوجد خلل في التعامل مع الأولاد في طفولتهم، تتسع فجوته كلما تقدم الزمن بهم جميعا، فالدلال الزائد، أو الغلظة والتسلط، أو الإهمال بالانشغال التام من قبل أحد الطرفين عن الآخر؛ كانشغال الوالدين بالعمل نهارا، وبالزيارات والتسوق ليلا، أو إشغال الأولاد بالألعاب ومشاهدة التلفاز بشكل دائم، كل ذلك يؤدي إلى ضعف العلاقات بين الطرفين، والتشرد النفسي داخل المنزل الواحد، ولعل أسوأ الأسباب سماح الوالدين أو أحدهما لأحد الأولاد بالتطاول عليهما باليد أو اللسان منذ الطفولة، إذ يتعود الطفل على ذلك، ولا يجد فيه غضاضة، إلى جانب سبب مهم، وهو تقريغ الأولاد بنين وبنات؛ حرص الآباء مع الأبناء، والأمهات مع البنات على فصلهم منذ الصغر عن جانب الخدمة العامة والخدمة المنزلية، طلبا لراحتهم، وتفريغا لهم لدراستهم، مما يؤدي ذلك إلى ضعف خبراتهم في هذه الجوانب من جهة، وتعودهم على عدم خدمة والديهم وتقدير جهودهم من جهة أخرى، تلك أهم أسباب هذه الظاهرة الواقعة في نطاق الأسرة، أما الأسباب الخارجية فهي كثيرة، ومن أبرزها التغير الاجتماعي المطرد، الناشيء عن تأثيرات الثقافات الوافدة بوسائلها الهجومية المغرية، والتي سمح الوالدان بدخولها إلى عقر دارهم.
إحجام درامي
ويرى الكاتب الدرامي عبدالرحمن الوايلي أن سبب إحجام الدراما والمسرح ووسائل الإعلام عن معالجة قضايا الإهمال الاسري يعود لتخوف هذه الجهات من عدم قبول المجتمع هذه الأعمال الدرامية والمسرحية فتم تغيبب ذلك، فحاولت شركات الإنتاج تخطي هذه الامور والحديث في بعض الاحيان عن امور جانبية، فلا نجد تشجيعا رسميا عن اعمال تعالج مشاكل الاسرة ودورها في الإنحراف والإرهاب وغيرها، وأصبح لدى شركات الإنتاج والفضائيات خبرة في هذا المجال ولم تعد تتطرق إلى هذه المواضيع الحيوية،فنحن لا نستطيع لوم أب وأم جاهلين، لكننا نلوم أولياء امور مثقفين ووعين لما يدور حولهم فالابن عندما ينحرف أول مايطبق إنحرافه في بيته ومنزله فعدما يكون الأبوان في واد والأبناء في واد اخر فلن يلاحظا التغيير في السلوك والفكر، ومناقشة مثل هذه الامور في الفن والدراما سيوقظ الاباء والامهات خصوصا المثقفين منهم إلى ضرورة التنبه للابناء واهمية الحوار الاسري الذي يشكل لبنة هامة في بناء اسرة سليمة.
برامج تربوية
وعن دور الجمعيات التربوية والاجتماعية في معالجة هذا القصور تحدثت رئيسة الهيئة الاستشارية لجمعية الشقائق في جدة الماس محمد الهجن قائلة: نحن نسعى في الجمعية لإقامة برامج توعوية في نادي الفتيات ودورات تدريبية للأمهات هدفها تضييق الفجوة بين أولياء الأمور وأبنائهم وتدعيم الحوار الأسري الداخلي خصوصا في ظل المغريات التي تحيط بالأسرة فكثير من أسرنا وإن بدت في الظاهر بيوتا مستقرة ؛لكنها تخفي في داخلها مئات المشاكل، فنجد الأبناء في واد والآباء والأمهات في واد آخر فيقع الأبناء نتاج هذا الإهمال ضحايا لعلاقات خاطئة يلجؤون إليها، وأضافت : للأسف فإن بعض الأكاديميين والدعاة والتربويين والمثقفين تعج بيوتهم بالانحرافات التي يقع فيها آباؤهم نتيجة إهمالهم فالأبناء ليسوا بحاجة فقط للدخل المادي وإنما هم بحاجة أيضا للعطف والحنان والاهتمام بهم وبأفكارهم ومشاركتهم ومصاحبتهم ولاشك أن مشاكل الحياة ومصاعبها والأزمات الاقتصادية قد ألقت بظلالها على الأسر فأصبح هناك تغليب للجانب المادي في الحياة على الجانب الإنساني والعاطفي والذي يحتاجه الأبناء خصوصا في مرحلة المتوسطة والثانوية والجامعة التي تشهد انحرافا كبيرا لدى الأبناء في هذه السن.
وختمت الهجن قائلة: نحن نحاول من خلال جمعيتنا تنمية الوعي لدى الفتيات المقبلات على الزواج وكذلك الأمهات ببرامج غير تقليدية وتناسب النساء اللاتي سيوجه لهن حتى تكون برامجنا أكثر تأثيرا، ونركز من خلالها على التوزان في التربية بحيث تكون مبنية على قاعدة ( لا إفراط ولاتفريط ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( خيركم خيركم لأهله ) إضافة إلى أهمية قضية إدارة الوقت بشكل جيد ومتوازن حتى يعطي أولياء الأمور لكل جهة حقها.

 

المصدر : www.kidworldmag.com

إقرأ 8830 مرات آخر تعديل على الإثنين, 01 شباط/فبراير 2016 19:19
FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed