النتيجة الباهرة التي لا تتغير عاما بعد عام وقتها كان الدستور يتشكل حسب ما يريده الرئيس , ولم تكن تسمع أو ترى إعتصامات لحزب فلان أو رأي الفنان فلان , فكلهم "سمعا وطاعة أيها الرئيس أنت تدستر الدستور ونحن لن نكشف المستور " .
ظل الوضع على ما هو عليه لثلاثة عقود ذاق فيها المصري الشريف كل أنواع الابتلاءات , فمن مرارة الغربة للكفاءات المصرية والعقول الفذة التي هاجرت من مصر لجميع دول العالم للبحث عن دخل جيد , إلى المآسي التي لا تنتهي ولا حصر لها منها : الفقر , والأمية , وسوء الخدمات الصحية , والسكن , والبطالة , والظلم , والكثير من المشاكل التي لا حصر لها , حتى تساوت حياة سكان المقابر بالأحياء فيها كلهم أموات على قيد الانتظار .
ذهب جيل وأتى بعده جيل شبابي مصري واعي , قاد ثورة الأحرار ودفع بعضهم حياته ثمنا لحياة مصر جديدة وكتب ميدان التحرير تاريخا جديدا للفاتحين الجدد يقول فيه : مصر لا يربطها بنظام الفساد السابق أي رابط , لها حكومة جديدة منتخبة كل أربع سنوات , لها دستورا جديدا يكتبه الشعب ويصوت عليه , تستحق حياة جديدة تبعثها من تحت ركام السنين بعد أن وئدت لسنوات .
وكل هذه الأمور لا تأتي بين يوم وليلة , إن ما هدمه الفساد طوال 30 عاما لا يمكن بناءة في أشهر أو حتى عام , فما تفعله مصر الآن هو التنظيف وترتيب البيت المصري وتنظيم الأسس الجديدة للبناء حتى لا تبنى على بناء فاسد فتنهار .
ثلاثون عاما من الدروس اليومية تتلقاها مصر النيل والأهرامات , ومع ذلك يريد البعض أن تتناسى هذه الأرض دروسها وتخوض في لعبة سياسية قذرة ليس هدفها النهوض بمصر , بل تفتيتها وتشتيتها وإضعافها , فثقلها السياسي كبير وإن سقطت في وحل الصراعات فستسقط كل العروبة .
مصر : لا تباع بأثمان بخسة ! دراهم معدودة تعبر حدودها لتقسيم صفوفها وبث الفوضى فيها , فإن كان من يدفع المال يفعل ذلك لينقذ "رؤوسا في الفساد أوغلت" فإن الإنسان المصري أكثر وعيا وذكاءً من أن يحمي الفساد ويتستر عليه ويصدقه .
كلها أسماء يعرفها المصري جيدا ويعرف تاريخها الملطخ بعار الخيانة , أسماء سرقت ثروته , خانت أسرار دولته , أضعفت اقتصاده وقوة بلده العسكرية وهي من كانت في زمن من الأزمان قبلة الجائعين وأمان الخائفين .
آن الآوان أن تتحد تلك الأيدي وتصنع جدارا عازلا ضد الصدمات , وضد الاختراقات , وضد التدخلات الخارجية من دول المال ودول السلاح ودول الاجرام , فمصر للمصريين وليس للعابثين .
إن أردتم عودة فيروسات الاستبداد لحكومة مصر فما عليكم إلا تنصيب مستبد آخر ! لأن ملف الفساد إذا تم نبشه فتح الكثير من الملفات العفنة والأساليب الملتوية , فلا تغتروا بوقفة فنان أو راقصة فالسياسي السابق قتل "السندريلا" وأخفى حذاءها تحت ذريعة الفساد الفني السياسي .
ولا يدهشكم خطابات قادة الأحزاب فكل حزب أصابه سعار المناصب , فلو كان همهم مصر لما جعلوها في آخر اهتماماتهم .
نعم يحق لكم أن تمارسوا الديموقراطية , وتشموا رائحة الحرية الزكية , لكن تذكروا أنكم مازلتم تنفضون عنكم غبار الثلاثين عاما , وأن الحرية تحتاج صبر وحلم وتأني حتى تكتمل فصولها , ولا تنسوا أن الإرث الفاسد الذي ورثتموه من كل هذه السنوات كبيرا جدا ويحتاج لعمل وجهد لإصلاح ما أفسدته عائلة مبارك وفلولها .
رحم الله حافظ إبراهيم كأنه يتابع المشهد اليوم فتنطلق من جوفه صرخة شاعر فيقول :
كم ذا يُكابِدُ عاشِقٌ وَيُلاقي -- في حُبِّ مِصرَ كَثيرَةِ العُشّاقِ
إِنّي لَأَحمِلُ في هَواكِ صَبابَةً -- يا مِصرُ قَد خَرَجَت عَنِ الأَطواقِ
لَهفي عَلَيكِ مَتى أَراكِ طَليقَةً -- يَحمي كَريمَ حِماكِ شَعبٌ راقي
المصدر : www.saaid.net