طباعة

العدل في الإسلام شامل لبني الإنسان

Posted in الثقافة


والناظر يلمس بوضوح أن أئمة المسلمين وعلماءهم فهموا من الآيات الواردة والآمرة بالعدل في كتاب الله شمولها للمؤمن وغيره، وعليه فلا عذر لمؤمن في ترك العدل أبدًا حتى ولو كان في الشهادة لكافر، والله تبارك وتعالى بيَّن ذلك في كتابه، وقال فيه لنبيه وحبيبه: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: 105].

والآية تنص على أنه يجب الحكم بالحق والعدل، حتى ولو كان المحكوم عليه من غير المسلمين، فالعدل مع جميع الناس واجب ومطلوب، وهذا من الأسس الأخلاقية الرفيعة التي قررها الإسلام في التعامل بين الناس جميعًا مؤمنهم وكافرهم، صغيرهم وكبيرهم، فالاختلاف في الدين، بل والعداوة، لا تمنع المسلم من إقامة العدل والإنصاف وتحقيقه، وقد أمر الله صراحة المسلمين بالبر والعدل مع المسالمين من غير المسلمين، كما في قوله تعالى: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].

قال ابن كثير في معنى الآية: "أي لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكَفَرة الذين لا يقاتلونكم في الدين، كالنساء، والضعفة منهم أن تبروهم أي تحسنوا إليهم، وتقسطوا إليهم أي تعدلوا، ثم ساق حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما وهو في الصحيحين، وفيه أنها قالت: «قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا، فأتيت النبي، فقلت: يا رسول الله، إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: نعم، صلِّي أمك» [متفق عليه] [تفسير ابن كثير].

وقال القاسمي رحمه الله في معنى الآية: "أي لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين من أهل مكة، ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، أي تُفْضُوا إليهم بالبر، وهو الإحسان، والقسط وهو العدل، فهذا القدر من الموالاة غير منهي عنه، بل مأمور به في حقهم، والخطاب وإن يكن في مشركي مكة، إلا أن العبرة بعموم لفظه، وقد حاول بعض المفسرين تخصيصه؛ فرد ذلك الإمام ابن جرير بقوله والصواب قول من قال عنى بقوله تعالى: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ}، جميع أصناف الملل والأديان، أن تبروهم وتصلوهم وتقسطوا إليهم، فإن الله عز وجل عمَّ بقوله: {الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} جميعَ من كان ذلك صفته، فلم يخصص به بعضًا دون بعض" [تفسير القاسمي].

وقد قرر النبي في سنته مبدأ العدل، ودعا إليه، وذكر عاقبة أهله، ففي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي قال: «إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حُكْمهم وأهليهم وما وُلُّوا» [مسلم].

قال النووي رحمه الله: "والمقسطون هم العادلون، وأما قوله الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلُّوا، فمعناه أن هذا الفضل إنما هو لمن عدل فيما تقلده من خلافة أو إمارة أو قضاء أو حسبة، أو نَظَر على يتيمٍ أو صدقةٍ أو وقفٍ، وفيما يلزمه من حقوق أهله وعياله ونحو ذلك، والله أعلم" [شرح النووي على مسلم].

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed