طباعة

العرب والقــراءة

Posted in الثقافة

readingخواطر وأفكار وشؤون ذات شجون وغموم وهموم مرَّت في ذهني، حين احتفل الناس في مشارق الأرض ومغاربها باليوم العالمي للكتاب، فقد تذكَّرتُ قبل كلِّ شيء ما جاء في آخر إحصاء للأونيسكو عن الكتاب في الوطن العربي. فإن لكلِّ ثمانين مواطناً في هذا الجزء من العالم في السنة كتاباً واحداً فقط لا غير – وهاتان الكلمتان الأخيرتان استعرتهما من لغة التجارة والمصارف والشيكات:فقط لا غير – في المقابل فإن للفرد الواحد في أوروبا


خمسة وثلاثين كتاباً في السنة ومعدل ما يقرؤه الأميركي أحد عشر كتاباً، والبريطاني ثمانية كتب.              وأفادت أيضاً معطيات نشرتها الأمم المتحدة، حول عادات المطالعة والقراءة لدى مختلف شعوب العالم ودولها، أن معدَّل ما يقرؤه الفرد في طول الوطن العربي وعرضه سنوياً هو ربع صفحة فقط.

 

يطبعون.. لكن... من يقرأ وكشف أول تقرير عربي سنوي عن التنمية الثقافية، أعلنته مؤسسة الفكر العربي في تشربن الثاني /نوفمبر 2008 عن تدنِّي معدَّل الالتحاق بالتعليم عربياً، وكذلك انخفاض معدل القراءة «بصورة مؤسفة».يسهل على الهواة في بلدنا من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، أن يطبع كلّ منهم  كتاباً أو كتباً (على نفقته بالطبع) ولكن.. من سيقرأ؟ وما أسهل الأمر في هذا المجال، ولكن.. كم نسخة سيُطْبَع من كتابه ذاك؟ إنَّ الكمية المطبوعة تتراوح بين مئتي كتاب وخمسمئة... وفي أحيان نادرة يرتفع الرقم حتى الألف – بالمناسبة فإن الكتاب الذي تطبعه وزارة الثقافة أو اتحاد الكتَّاب العرب لا تتجاوز نسخه الألف.. في أفضل الأحوال، وربما ارتفع الرقم على الاستثناء حتى ألف وخمسمئة.يوم كانت سورية ثلاثة ملايين ونصف حسناً، عام 1957 لم يكن عدد سكان سورية يتجاوز ثلاثة ملايين ونصف مليون، وقد طبعتُ  وقتها من كتابي الأول وهو المجموعة القصصية الأولى لي أيضاً وعنوانه «هل تدمع العيون» بالطبع كان ذلك على نفقة الصديق الكبير الشاعر «مدحة عكاش» ـ ألفيّْ نسخة،


وهذا يعني أن الكتاب، أي كتاب ينبغي أن يُطبَع اليوم ونحن في عام 2010 وعدد سكان سورية ينوف على تسعة عشر مليوناً، ستة أضعاف ما كان يُطبَع قبل أكثر من خمسين سنة، أي زهاء إثني عشر ألفاً. هذا بصرف النظر عن النمو التعليمي والثقافي كماً وكيفاً، وبصرف النظر عن الخريجين في الشهادات الثانوية والجامعية، وفي المعاهد المتوسطة... وسوى ذلك.

كتاب «كولن ويلسون» الأول لقد نفدت الكمية التي طبعت من كتابي الأول خلال شهور، لكنها لم تعد عليَّ بأي فائدة مادية –خارج العرفان بالفضل للأستاذ «عكاش» ـ والشهرة الأدبية والعائد المعنوي.في الوقت ذاته قرَّر «كولن ويلسون»، أن يضع كتابه الأول بعد أن غادر صفوف البحرية البريطانية، فكان عليه أن يتردَّد يومياً على مكتبة المتحف البريطاني في لندن. ولمَّا كان لا يملك من النقود ما يكفي لمثل هذه المشاوير بين غرفته الفقيرة في طرف العاصمة البريطانية وبين المتحف، فإنه استأذن في نصب خيمة صغيرة في حديقة المتحف، فصار ينام ويأكل فيها من المعلبات، إلى أن أنجز كتابه الأول الذي حمل له الشهرة وتُرجِمَ عام 1957 بعنوان:«اللا منتمي the outsider  ». وعندما عثر على الدار التي نشرت له الكتاب فإنه حصل على عائد كَفِلَ له شراء منزل في لندن، ونفقة خمس سنوات ينصرف خلالها إلى القراءة والكتابة أو أي شيء آخر. ولقد حدَّثنا هو نفسه هذا الحديث حين زار دمشق والتقينا به في المركز الثقافي العربي الوحيد يومذاك في «أبو رمانة» في السبعينيات
الأولى.
في فرنسا:الكتاب رفيق دائم في مقالة لها نُشِرَت في مجلة «صوت فلسطين» تتحدث الكاتبة السيدة «فابيولا بدوي» عن ولع الفرنسيين في القراءة فتقول:إن أول ما لفت نظري داخل المترو، وهو وسيلة  المواصلات الأولى في باريس، هو حجم الفرنسيين الذين يحملون كتباً يقرؤونها حتى محطة هبوط كلٍّ منهم. وتستطرد: تساءلت وقتها كثيراً: لماذا يقرأ الفرنسيون بهذا الشكل؟
وجاءتني الإجابة:لأن القراءة ببساطة جزء لا يتجزأ من حياة المواطن الفرنسي، وأن الكتاب رفيق دائم وليس وسيلة ترفيه أو لقتل الوقت في أثناء الفراغ.


حتى حافظو الثياب يقرؤون والواقع فإن ما لاحظته السيدة «بدوي» ليس وقفاً على الفرنسيين فحسب، فهو قاسم
مشترك بين الأوروبيين شرقاً وغرباً، وقد رأت ذلك في عدد من المدن: برلين التي كانت قسمين شرقية وغربية – ودرسدن ولايبزيغ وبراغ وبودابست وكارلوفي فاري ولينينغراد – بطرسبورغ حالياً -... الخ، بل لاحظت أن حافظي الثياب Gardrobe والعاملين على نظافة المراحيض، في تلك المدن يقطعون الوقت بالقراءة. وقد دُهِشْتُ مرة في موسكو حين انتبهت إلى أن أحدهم يقرأ «الأخوة كارامازوف» لدوستويفسكي، فيما هو يلاحظ الداخلين
والخارجين ومسألة النظافة والتنظيف.كتاب الجيب... كان عندنا أيضاًعلى كلِّ حال، فإن السيدة «بدوي» حرَّضت ذاكرتي، عندما تحدَّثَتْ عن ظاهرة «كتاب الجيب» في فرنسا، فذكرت أن عام 1953 هو عام ولادة هذا النوع من الكتب في فرنسا.
ذاك أني عدُت إلى بعض ما قرأته في كتيِّبات مشابهة، كان أخي الأكبر «مصطفى» رحمه اللـه يأتي بها إلى البيت، متى؟ في أربعينيات القرن العشرين الماضي كانت هناك سلسلة عنوانها «أحسن القصص» من الأساتذة الذين عملوا على إغنائها بالترجمة من الأدب العالمي، نخبة من الطليعة المثقَّفة في دمشق، وكانوا أيضاً من جماعة مجلة «الطليعة» التي كانت تصدر في ثلاثينيات القرن ذاته: «ليان ديراني، كامل عياد، خالد علي، كاظم الداغستاني» وسواهم.
سلاسل الكتب في سورية كانت هذه السلسلة من اللون الذي يمكن تسميته كتاب الجيب، ذاك أن حجمها في حدود 8×12 س. م، وهو الحجم ذاته الذي يصدر فيه الكتاب الفرنسي ولكن... ماذا بعد؟ ثمة اليوم  أربع سلاسل من مطبوعات الكتاب التي نستطيع القول إنها تتوجَّه إلى القارىء محدود الدخلِ، بأثمانها التي لا تتجاوز خمسين ليرة سورية مثل سلسلة الكتاب الشهري التي تصدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب – في وزارة الثقافة. علماً أن معظم هذه المطبوعات يوزَّع مجاناً على القرَّاء، كتلك التي تصدر عن دار المدى بدمشق بالتعاون مع بعض الصحف العربية «البعث، والسفير والقاهرة»، وفي وقت ما بالتعاون مع صحيفة الثورة الدمشقية – وقد صدرت عنها عناوين أدبية وتاريخية في منتهى الأهمية.


وهناك «كتاب الجيب» الذي يُوزِّعه اتحاد الكتَّاب العرب بدمشق مع مطبوعاته مجاناً، إضافة إلى الكتاب الشهري «كتاب في جريدة» الذي تُصدِره منظمة اليونسكو ويُوزَّع  مجاناً أيضاً مع صحيفة «تشرين الدمشقية» وعدد من الصحف العربية. مع ذلك، فإن متوسط مطبوعات دور النشر، حتى الرسمية «وزارة الثقافة» وشبه الرسمية «اتحاد الكتَّاب العرب» لا يتجاوز ألف نسخة أو ألفاً وخمسمئة في بعض الأحيان كما تقدَّم، وكم تمنيتُ أن أرى شخصاً واحداً يفتح كتاباً في أي من وسائل المواصلات.. فهل نحن شعب لا يقرأ؟!

المصدر : www.mnaabr.com