البوابة
ذكرياتى فى حارة الكنيسة
وأذكر أنه فى يوم من الأيام كان يقام قداسا فى الكنيسة وكنت أحضره مع والدى وإذا بى أبتعد عنه بعض الشئ حيث كنت أريد أن أقترب من القسيس ( الذى يردد التراتيل بصوت رخيم يخرج من الأنف أكثر مما يخرج من الفم ) كنوع من حب الإستطلاع ومحاولتى لمعرفة ماكان يردده بسرعة ولا أستطيع فهمه أو متابعته , وهنا شعر والدى بالقلق علىّ ( حيث أننى ولده الأثير لديه ) فراح ينادى اسمى " محمد " ... " محمد " .... لعلنى أسمعه , وهنا نظر إليه أحد أصدقائه النصارى وقال له مداعبا : " يعنى لازم تقول الإسم ده ساعة القدّاس علشان تبوظه" فانفجر المحيطين به فى الضحك وهم يحاولون إخفاء ذلك مراعاة لخصوصية المكان . وكثيرا ما سمعت أبى وأصدقاءه النصارى يتبارون فى سرد الطرائف والنكات التى كان يطلقها الناس فى ذلك الوقت على المشايخ والقساوسة , وأذكر من هذه النكات أن مجموعة من الصعايدة ذهبوا للعمل فى ترميم أحد الكنائس , وكعادتهم أثناء العمل راحوا يرددون : " هيلا هيلا .. صلى ع النبى ... هيلا هيلا ... صلى ع النبى " فجاءهم القسيس فى أدب وقال لهم : " ياجماعة بلاش تقولوا كده ما تنسوش إن انتم فى كنيسة " , فاستجابوا لرغبته بعض الوقت ولكنهم لم يستطيعوا العمل دون هذا الغناء , فقام أحدهم بكتابة : " صلى ع النبى " على جدار الكنيسة , وراحوا يرددون : " هيلا هيلا ... بص ع الحيطه " . ومنها أيضا أن قسيسا كان يقود سيارته قبل الفجر بساعة فتعطلت سيارته وتصادف أن حدث ذلك أمام بيت شيخ مسلم , فطلب منه القسيس أن يساعده فى دفع السيارة لكى تتحرك , وبدأ الشيخ فى دفع سيارة القسيس وهو يقول : " يا مارى جرجس مدد " , فاستغرب القسيس من ذلك واستفسر من الشيخ , فقال له الشيخ مندهشا : " أمال عايزنى اصحيلك السيد البدوى فى الساعه دى ؟ " . ولم تكن الجلسات تخلو من مداعبات كل طرف للآخر وكان الجميع يضحكون وأكواب الشاى تدور بينهم وحين يأتى موعد الطعام نأكل جميعا فى البيت أو المكان الذى وجدنا فيه .
وفى أحد الأيام ذهبنا لحضور فرح ابن الخواجه جرجس فى أحد البلدان المجاورة , وكان من عادتهم تقديم الطعام للمدعوين فى وقت العصر , ولكنهم عرفوا فى ذلك اليوم أن هناك عدد من المسلمين الحاضرين صائمين ( ربما كان ذلك يوم عاشوراء حسب ما أتذكر ) فقرروا تأجيل تقديم الطعام لكل المدعوين إلى وقت أذان المغرب , وكان هذا السلوك يتكرر منهم دائما فى رمضان فلم أر أحد منهم يتناول الطعام جهارا فى شهر رمضان , بل كنت أسمع أن كثيرا منهم يأكلون فى نفس المواعيد التى يأكل فيها جيرانهم المسلمون , ويضبطون مواعيد نومهم وسهرهم فى رمضان على نفس مواعيد المسلمين , ولى منهم أصدقاء كانوا يشعرون بالجو الرمضانى ويشاركون فيه ويستمتعون به .