البوابة
ذكرياتى فى حارة الكنيسة
ومن الطرائف أننا كنا فى رمضان نذهب إلى ساحة مسجد الشيخ عبيد لنستمع إلى الأذان , وما أن يؤذن الشيخ عبداللطيف حتى تسابق سيقاننا الريح عودة إلى بيوتنا وكان ثلث الذين يجرون بيننا من النصارى , وكنا نردد ونحن نجرى : " المغرب ادن .. يا صايم افطر " , وكنت أصل إلى بيتنا قبل جورجى وجرجس فى حين يكملان هما طريقهما إلى بيتهما وهما يرددان فى حماس : " المغرب ادن .. يا صايم افطر " .
وقد اشتهر الأقباط فى ذلك الوقت فى بلدتنا بشيئين : تربية النحل وبيع المصوغات , وكانت لهم طقوسا نسعد بها معهم فحين يأتى موسم جمع العسل يوزعون على جيرانهم من المسلمين أطباقا من العسل , وكانوا يختصوننا بزيادة فى كمية العسل مع أقراص من الشمع المشبعة بالعسل نظرا لعلاقتنا الخاصة بهم . أما فقراء النصارى فكانوا يوزعون مايسمى ب " ماء العسل " وهو سائل يتم طبخه فيصبح مثل المهلبية وله طعم قريب من العسل ولكنه مخفف . أما الصاغة منهم فكانوا يتميزون بصدق الحديث والأمانة فى التعامل وطول البال والصبر خاصة مع مساومات النساء وترددهن فى اختيار الحلى الذهبية .
أما جيراننا المواجهين لنا فكانوا بيت عم " إبراهيم سمعان " وأذكر زوجته الطيبة السيده " أم موريس " وابنه الكريم الأستاذ موريس ( وله معى قصة سأرويها بعد قليل ) وابنيه الآخرين محفوظ وسعد , وابنته صوره . وبيت عم إبراهيم سمعان كان يحتوى بلكونه كبيره من الخشب وكان أبناؤه مغرمون بوضع قصارى نباتات الزينة فى هذه البلكونة الخشبية المطلة على الشارع المؤدى للسوق , وكأنى الآن أرى قطرات الماء تتساقط من هذه القصارى بعد سقيا الزرع فيها .
وفى أحد الأيام كنت ألعب فوق سطح بيتنا فلغدتنى نحلة وتورم مكانها بشكل واضح آلمنى كثيرا , وهنا غضب أبى لأن عم " إبراهيم سمعان " كان يربى مجموعة من النحل فوق سطح منزله المجاور لنا , وحين علم عم "ابراهيم " بهذا الأمر ما كان منه إلا أن طيّب خاطر والدى ومسح على يدى المتورمة وأرسلت السيدة الفاضلة أم موريس إلينا طبقا من عسل النحل وقاموا بنقل خلايا النحل بعيدا عن البيت .
وحين بلغت السادسة من عمرى اصطحبنى والدى إلى مدرسة الرفاعى الإبتدائية وكان معه حينئذ صديقه عم "عبده بانوب " جاء ومعه ابنه " مجدى " , وجلست أنا ومجدى متجاورين , وكأن مجدى استوحش جو المدرسة فكان – كعادة كثير من الأطفال فى هذا السن - يبكى كثيرا فى الأيام الأولى ويضع وجهه الباكى على ساعديه فتسيل دموعه على الصليب المدقوق على يده , وكنت أنظر إليه مشفقا عليه وعلى الصليب الذى تكاد الدموع أن تمسحه وأحاول أن أخفف عنه شعوره بالوحشة , وفى آخر اليوم الدراسى نعود إلى بيوتنا القريبة من بعضها , وكنت كلما قابلته – بعد أن كبرنا - ذكرته بهذه الأيام مداعبا ومشاغبا .