الثلاثاء, 22 كانون2/يناير 2013 20:17

الحياة الاجتماعية في الطفولة المتأخرة

كتبه 
قييم هذا الموضوع
(9 أصوات)

مرحلة الطفولة المتأخرة هي ما بعد سن العاشرة تقريباً حتى بداية مرحلة المراهقة، ومن أبرز التغيرات في هذه المرحلة مظاهر النمو الاجتماعي المتعددة، ففي هذا الجانب من جوانب النمو تحدث قفزة كبيرة، وفي هذه الفترة تبدأ الحياة الاجتماعية – بالمعنى الصحيح - تظهر مع الطفل، حيث تتجلى في الجماعة التي ينتمي إليها الطفل خصائص الزمالة والزعامة،

ويسودها التعاون والمنافسة والتقليد، ويميل الطفل للعب مع أقرانه في العمر، ويبدأ بتكوين أصدقاء يختارهم بنفسه بعد أن كانت تفرض أفرادها من الكبار والصغار كأصدقاء له، ويتسم سلوك الطفل الاجتماعي بشيء من الثبات والتعاون والتآلف، ويبلغ حبه للجماعة ذروته في هذا العمر حيث يفتخر بانتمائه إلى جماعته، وأنه عضو مخلص في "فريقه"، لذلك تدعى هذه الفترة بفترة "الفريق".

والفريق ظاهرة طبيعية في هذه المرحلة، وهذه الظاهرة أكثر ظهوراً عند الذكور، ولكل فريقه قوانينه ونظمه، ويطلب من العضو فيه الالتزام بها، وهذه النظم تميز كل فريق من غيره، وقد تكون أساس تعامله مع أفراده، إذ يحدد مقدار قبول الأفراد فيه حسب التزامهم بالقوانين والنظم، وقد تكون هذه القوانين سبباً لصراع الفريق مع فرق أخرى. وبشكل عام يؤدي الانتماء للفريق أغراضاً مهمة بالنسبة للطفل والمجتمع، فهو يمكن الطفل من اكتساب روح العمل الجماعي، والشعور بالمسؤولية الفردية والجماعية، واكتساب بعض المهارات والخبرات المحددة، وتكييف سلوكه وفق متطلبات مشاركة الآخرين في الحياة الاجتماعية، وهي مهارة مهمة للتوافق الاجتماعي، لكن قد يؤدي انحراف هذه الظاهرة إلى أن تتحول إلى صورة رفقاء السوء التي تضر بنمو الطفل ومجتمعه.

ونتيجة لشدة تمسك الطفل بفريقه وانتمائه له فهو ينحاز إليه غالباً عندما تتعارض معاييره مع معايير أسرته، لكن من الواضح أن الطفل الذي يرى والديه متقبلين له، ويرى جماعة الأقران نابذة له، يميل إلى الموافقة على آراء الكبار.

ومهما كانت علاقة الطفل مع أهله وأقرانه، تبقى جماعة الأقران مصدراً رئيساً يحدد نمو الطفل الاجتماعي، ففي تفاعل الطفل داخل هذه الجماعة سيتعلم كيف يعيش مع الآخرين بتعاون وتنافس، ويتعلم كذلك أداء دور القائد أو التابع، والاستقلال أو الارتباط.

ومن مظاهر النمو الاجتماعي في هذه المرحلة أيضاً شعور الطفل بذاته وخصوصيته، وتوحده مع دوره الجنسي، وازدياد الشعور بالمسؤولية، والقدرة على الضبط حسب المعايير الاجتماعية، وزيادة احتكاك الطفل بمجتمعات الكبار، وبشكل عام يبدأ التأثير الواضح لعمليات التطبيع الاجتماعي يبرز في الكثير من جوانب السلوك الاجتماعي. وتظهر في هذه المرحلة أيضاً ظاهرة التعلق بالكبار، وعشق البطل.

ونتيجة لاتساع عالم الطفل الاجتماعي فإن نموه الخلقي سيتأثر بزيادة المصادر التي يأخذ منها القواعد الخلفية، فإضافة لأفراد العائلة يصبح الأصدقاء، والجيران، والمعلمون، ومن يراهم الطفل مصادر لتعليم السلوك الخلقي.

وهكذا يبدو لنا أن التغيرات في الجانب الاجتماعي في هذه المرحلة تهيئ الطفل للعيش في عالم أوسع، وتعتبر مقدمة للنقلة الحادثة في مرحلة المراهقة، وعلى الوالدين والمربين أن يقدروا هذه التغيرات حق قدرها، وأن يذكروا أن الحاجات الاجتماعية تصبح أكثر ضرورة، وأن بناء العلاقات الاجتماعية الخاصة بالطفل والتي يعبر من خلالها عن شخصيته وخصوصيته تصبح مطلباً يجب على الأسرة التكيف معه بالمرافقة مع دورها في التوجيه وبناء الشخصية المتكاملة، ومن أدوار الوالدية البارعة أن يعمل الآباء على تزويد الابن بقواعد العلاقات الاجتماعية المتوازنة خلال هذه المرحلة وتمكين الابن من تعلمها وإنضاجها من خلال مواقف وخبرات عملية.

إقرأ 26722 مرات
د. عامر الغضبان

  • متخصص في علم النفس التربوي
  • باحث في الفكر الإسلامي وواقع المجتمع العربي
  • مرشد تربوي
  • شارك في تحقيق عدة كتب منها مسند الإمام أحمد، شرح مشكل الآثار للإمام الطحاوي، تهذيب الأسماء واللغات للإمام النووي، الصحيح الجامع (صحيح البخاري)، هدي الساري (مقدمة فتح الباري لابن حجر العسقلاني) من نشر مؤسسة الرسالة العالمية
  • محرر قسم نفساني (Nafsani.com) في بوابة الخيمة العربية

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed