فلقد أخبروهم بما سيحدث من أمور غيبية مستقبلاً ، وأبرز مثال على ذلك سيدنا يوسف عليه السلام، الذي تنبأ بالسني السبع العجاف ، فقدم عليه السلام خطة متكاملة لعبور كارثة القحط المتوقعة ، ولذا عهد إليه الملك تنفيذها فخرجت مصر من محنة الجفاف والسنوات العجاف .
والمتأمل في سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم بعين الفاحص الخبير ، يجد أن منهجه الدعوي قائم على التخطيط للمستقبل ورفض العشوائية في التفكير ، فلقد كان صلى الله عليه وسلم يَعُدُّ لكل أمر عدته، ويهيئ له أسبابه وأُهبَته ، ولعل حادثة الهجرة والخطط الموضوعة لها ، ومتابعة صلى الله عليه وسلم الأحداث العالمية آنذاك الدائرة بين القوى العظمى الفرس والروم ، وإرسال الرسائل للملوك والرؤوساء ليدل دلالة واضحة على استشراف الرسول للمستقبل، والتخطيط المنظم لهذا الدين، مع التوكل الحق على الله تعالى.
لذا أرى أننا اليوم في أمس الحاجة إلى استشراف المستقبل و بناء رؤية مستقبلية مكتملة واضحة المعالم، صادقة الدلالة وفق أسس علمية ومنهجية، تتسم بالضوابط الشرعية، وخصوصاً في مجال الدراسات التي تهتم بقياس اتجاهات النشء الفكرية والسلوكية ومن ثم المساهمة فى تطوير سياسات و إستراتيجيات وأساليب وآليات العمل لمواجهة المشكلات المترتبة على الاتجاهات المنحرفة منها لتفادي آثرها الخطيرة ، و تصميم برامج تسهم في تعزيز الأمن الفكري في نفوس النشء .
إن استمرار الباحثين والمختصين في الأمن الفكري في الانغماس في هموم الحاضر و ثقافته الراهنة ، والإستناد على معطيات الماضي في عملية تعزيزه – يَحرِمهم من إمكانية استشراف المستقبل، ويعرقل مسعاهم لرسم خُطوات الوصول إلى قيادة العمل العلمي والأمني إلى مستوى تطلعات ولاة أمرنا في هذا البلد الطاهر، في ظل الأحداث الهائلة والتغيرات المعقدة و المتسارعة التي تعصف بالأمة الإسلامية .
لذا أرى أن تأسيس مركز ومرصد علمي للدراسات والبحوث المستقبلية المتعلقة بالأمن الفكري أصبح خيارا استراتيجيا من الواجب توفره والعناية به ، يهدف إلى اكتناف الباحثين والمختصين في الأمن الفكري "الرسميين والمتطوعين" ودعمهم في إطار من الشراكة الدائمة لإصدار الدراسات والأبحاث العلمية الرصينة والوصول إلى بناء قاعدة معلومات واسعة، وتصنيفها وفق أحدث الطرق والأساليب العلمية والتقنية ، كأحد المصادر الهامة التي نأمل أن تمد صناع القرار بمعلومات رصينة مبنية على المنهج العلمي أصيل .
المصدر :www.saaid.net