طباعة

حجاب المسلمة، وجهةُ نظرٍ طبنفسية

Posted in الثقافة


ولكننا يجبُ أن نلاحظَ أيضًا أن اختيار الفتاة العربية لهذا القيد لا يعني أنها تتحررُ من وطأة الصورة المثال، لأنها يهمها جدا أن تعجبَ نفسها وزوجها القادم، والمجتمع المتحيز ضد البدانة، كما بينا في مقال: رؤية المرأةِ لجسدها من منظور اجتماعي لكنَّ الحجاب هنا يجعلُ المساحة التي تمارسُ فيها صراعها مع جسدها أقل بكثيرٍ من الفتاة في الغرب، كما أن الحجاب الذي يفترضُ فيه أن يكونَ فضفاضًا، هذا الحجابُ يسمحُ لأجزاء جسدها المختلفة بالوصول إلى حجمها الأنثوي الطبيعي دونَ أن يكونَ ذلك ملفتًا للنظرِ أو جالبًا لسخرية الزميلات أو الزملاء، أقولُ ذلك لأن الفتاة الغربية المسكينةَ قد لا تكونُ بدينةً على الإطلاق بل إنها قد تكونُ دونَ الوزن الجدولي المطموح إليه، لكنها تصابُ باضطراب الأكل لأن أردافها أكبر من المطلوب حسب الصورة المثالية! فهم كثيرًا ما يقفونَ في الغرب أمام فتاةٍ تكادُ تريدُ التخلصَ من أنوثتها أو من كل مظاهر الأنوثة في جسدها! فهل يعارضني أحدٌ في أن سترَ هذا الجسد يستطيعُ أن يمثلَ درعًا واقيًا تجاهَ اضطراب العلاقة بالأكل وبالجسد عند شريحةٍ كبيرةٍ من المراهقات العربيات؟

أعود بعد ذلك إلى ما دفعني لكتابة هذا المقال، وقد أشرتُ إليه وأضفته على إجابة أخي أحمد عبد الله: في بلاد العري: غريبة تسألُ عن حجاب، فما يحدثُ اليوم إنما يمثل استخفافا كبيرا بعقول المسلمين، فحين نسأل أنفسنا كيف انساقت تلك المحجبة لتعرض نفسها في بورصة الجمال العالمية؟ هل هي أرادت أن تؤكد للعالم أنها يمكن أن تشارك وهي محجبة في أنشطة الدنيا وتطوراتها؟ أم أنها دُفِعَتْ إلي ذلك ليقال لمن يقفون عند حدود الشكل من المسلمين -وهم كثير مع الأسف- إن حضارة الغرب وإن رفضت الحجاب في مدارسها العلمانية، فإنها تقبله كزي في مباريات الجمال، ولا يسألنَّ أحدٌ عن ما يتمُّ في فترة الإعداد والتدريب وأخذ المقاسات في معسكرات ما قبل العرض في الاحتفال الكبير لإعلان نتيجة المباراة، فإذا كان ما يحدثُ اختصارا هو تدريب الفتاة على كيفية إبراز مفاتنها الجسدية وهي تستعرضُ أمام الجمهور، فهل يتماشى هذا مع كيان المسلمة المحجبة المعرفي؟ ثم كيف يكونُ الحجابُ علامة دينية يتوجبُ على الغرب العلماني رفضها في المدارس، بينما من الممكن قبوله كزي من الأزياء النسوية التي تسمح باستعراض الجسد، بل لعله يصبحُ الزيَّ المفضل للغانيات، بتطبيق قاعدة أن المستورَ يثير الخيال أكثر؟؟؟

إن ما يحدثُ في الحقيقة يتعدى إفراغ الحجاب من مضمونه المعرفي، وتحويله إلى مجرد شكل، ما يحدثُ يبدو وكأنه تأسيس مفاهيم جديدة لتشكل منظومةً معرفية لمحجبة لا تعي أكثر من أن الحجاب أحد الأشكال المطروحة، وهو "على كل لون يا باتستا" كما يقولون في مصر أي أنه لا يحول بينها وبين أي شيء تستطيع فعله أي فتاة، وبالتالي فلا مانع من أن تصبح عندنا الراقصة التي ترقص بالحجاب، مثلما عندنا عارضة الأزياء المحجبة، ولا أحد ينتبه إلى الفخ المعرفي في المسألة، وأخشى أن نصل إلى ممارسة العهر وتصويره بالحجاب أيضًا، فهو"على كل لون يا باتستا"!

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed