طباعة

هل تعرف دمشق ياسيدي؟

Posted in الثقافة

damascusجئت دمشق أبحث عن عمل، في أحد دكاكين الحلاقة، لكن أحداً لم يقبلني عنده، وتعبت من البحث دون جدوى، إلى أن أشار علي صديق أن أعمل في الصحافة، وكان قد قرأ بعض كتاباتي وأنا حلاق في اللاذقية.
ذهبت إلى جريدة «الإنشاء» في بناية القدسي، مقابل البريد المركزي، وقابلت صاحب الجريدة المرحوم وجيه الحفار، فسألني عما احمل من شهادات،

 

وحين أجبته أنني لاأحمل إلا الشهادة الابتدائية، ابتسم اشفاقاً، فسارعت إلى إخراج قصاصات من ورق الصحف، فيها بعض كتاباتي، وبعد تفكير قال لي: «عليك أن تشتغل ثلاثة أشهر تحت التمرين دون أجر» أجبته: «ومن أين أنام وآكل أنا الغريب عن دمشق؟ قال: «هذا ليس شغلي!» ‏

قبلت العمل مجاناً، ورحت أنام هنا وهناك، وآكل ماتيسر الذي لايبلغ حد الشبع، وكان رئيسي المباشر في الجريدة، سكرتير التحرير المرحوم أحمد علوش، الإنسان الطيب التقدمي، والذي ذهب إلى صاحب الجريدة، في نهاية الشهر الأول، وقال له: «حنا محرر جيد، ونحن نحتاج إلى مثله» واقترح عليه أن يدفع لي أجراً، فقرر الاستاذ الحفار أن يدفع لي مئة ليرة سورية في الشهر، وهكذا صرت، أنا الحلاق، صحفياً بالمصادفة. ‏

كنت أسكن عند قريبة لي، في حي الحبوبي الرابع، فدفعت لها نصف راتبي أجرة سكن، وعشت بالنصف الباقي عيش تقتير، ورحت أطوف في دمشق ماشياً، قصد التعرف على أحيائها ومعالمها، وأكتب في الجريدة عن مشاهداتي، بأسلوب مقبول نسبياً، دون أن يخطر في بالي أن أكتب رواية عنها، ودون أن تكون كتابة الرواية واردة في حسابي، ووجدت مكتبة قبلت أن تعيرني بعض الكتب بأجر زهيد، على أن آخذ كتاباً فأقرؤه، ثم أعيده لآخذ غيره، وهكذا التهمت كتبها تدريجياً، دون أن أفعل ماسوف أتعلمه لاحقاً، وهو المطالعة على مكتب، أو حتى طاولة، وإلى جانب الكتاب ورقة أو دفتر، أسجل فيه ملاحظاتي، وإشارات استفهامي حول هذه القضية أو تلك، مع متابعة التطواف في شوارع دمشق، ودروبها، وأزقتها الضيقة، المتعرجة، في أحيائها القديمة. ‏

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed