طباعة

الزلزال : ظاهرة طبيعية أم رسالة إلهية ؟

Posted in المجتمع

 

 

وقبل الدخول فى تفاصيل الإجابة عن هذا السؤال نحذر من خلل فكرى يصيب الإنسان على وجه العموم والإنسان العربى على وجه خاص وبدرجة تثير القلق , هذا الخلل هو مانسميه

" التفكير الإستقطابى " أو " التفكير الإختزالى " , حيث يميل العقل إلى طريقة " إما .... أو"  ( Either ...or )  وهذا النوع من التفكير يستبعد منطقية العوامل المتعددة والرؤى المتراكبة والمتداخلة , وربما يميل العقل البدائى أو المستسهل أو غير الناضج إلى التفكير أحادى البعد حتى ولو كان هذا التفكير قاصر عن الإحاطة بظاهرة ما . فنحن هنا فى موضوع الزلزال نسمع إلى التساؤل الإستقطابى الإختزالى التالى : أهو ظاهرة طبيعية من اختصاص هيئة الإرصاد أم ظاهرة دينية من اختصاص أئمة المساجد ووعاظ الكنائس وكهنة المعابد ؟ ... والإجابة الإستقطابية أو الإختزالية تنبع من رؤية أنبوبية وإدراك ضيق للأحداث ومعانيها والحكمة منها , فإذا سلمنا بأن الزلزال مجرد حدث أرضى جيولوجى منفصل عن السياق العام للكون ولحياة الإنسان وسلوكه فإننا هنا سنتورط فى رؤى تجزيئية تجعلنا عاجزين عن الإدراك الكونى الشامل والمتكامل فضلا عن أن ذلك سيدعنا بعيدين عن إدراك مشيئة الله وإدارته لهذا الكون بكل ما فيه من قوى بناء أو هدم , وهذه الرؤية لن تكون مشكلة دينية أو روحية فحسب وإنما ستكون أيضا مشكلة نفسية إدراكية خطيرة .  وعلى الجانب الآخر إذا سلمنا بأن الزلزال مجرد انتقام إلهى أو ابتلاء إلهى , وأهملنا دراسة البعد الأرضى الجيولوجى وما يتصل به من عوامل فإننا نكون قد عطلنا جهدنا البشرى فى فهم الظواهر وتحليلها تحليلا علميا ومحاولة الإستفادة منها أو تجنبها . ولكى نفهم هذه الإشكالية أكثر سنحاول نقلها إلى دائرة أقرب فى حياتنا وهى دائرة المرض , حيث أننا إذا نظرنا إلى المرض من جانبه الغيبى فقط ( الإنتقامى أو الإبتلائى ) مع إهمال الجانب العضوى السببى فإننا كنا سنكتفى عبر مراحل التاريخ الإنسانى بالرقى والتعاويذ دون البحث عن علاج لأى مرض , وإذا نظرنا إلى المرض من جانبه العضوى فقط فإننا نستغرق طول الوقت فى رحلة العلاج العضوى المادى ونفقد القدرات الشفائية للصلاة والدعاء وهى قدرات هائلة ليس فقط على المستوى الدينى وإنما أيضا على مستوى جهاز المناعة الذى يتحسن كثيرا فى أحضان الإعتقاد الدينى الإيجابى . من هنا تبرز الحاجة إلى رؤى أكثر تعددية وعلى مستويات متعددة , رؤى لها صفة الإدراك الكونى والنضج المعرفى المتصاعد . ونقصد بالإدراك الكونى : إدراك الزمان بكل أبعاده (إدراك اللحظة الحاضرة بكل تفاصيلها مع إدراك الزمن الماضى الممتد إلى التاريخ السحيق وإدراك الزمن المستقبل بما يحويه من حياتنا الدنيا ثم حياة البرزخ ثم البعث ثم القيامة وما يليها من نعيم أو عذاب ) , وإدراك المكان بكل أبعاده ( الغرفة التى أجلس فيها والبلد الذى أعيش فيه والأرض التى أعيش فوقها ثم المجموعة ا لشمسية التى تضم كوكبى ثم المجرة التى أنتمى إليها ثم بقية المجرات ثم السماء الدنيا ثم بقية السماوات ثم العرش ثم الكرسى , وكل ما تضمه هذه الكينونات من مخلوقات أراها أو لا أراها ) . أما النضج المعرفى فهو يعنى الإنتقال من مرحلة جمع البيانات إلى مرحلة تكوين المعلومات إلى مرحلة بناء المنظومة المعرفية وأخيرا إلى مرحلة الحكمة التى ترى الأشياء بمنظور كونى واسع وتعطى الأشياء المدركة من المستويات السابقة

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed