طباعة

تأملات في حوادث العنف المجتمعي

Posted in المجتمع

أي أننا أكثر سكك الحديد أمانا في العالم , وهنا انتفضنا جميعا (وليس المحاور فقط) ونظرنا إلى بعضنا في دهشة واستغراب , ودارت في رؤوسنا صور لحوادث عديدة ومروعة منها قطار الصعيد الذي احترق بركابه , وقطار كفر الدوار الذي هاجم المحطة وما حولها فدمر كل شئ بسبب انفلات الفرامل , وحادث تصادم قطارين قرب بنها , وحوادث كثيرة لا تعد ولا تحصى , إضافة إلى ما نراه من تردي الأوضاع والخدمات في قطارات السكة الحديد حتى الدرجة الأولى والثانية المكيفة فضلا عن الدرجة الثالثة . واستمر الحوار العبثي المستفز , بين مسئول يرى أن كل شئ تمام في السكه الحديد , وبين محاور احترق دمه واستثيرت أعصابه بشكل ملفت للنظر مما استدعى تدخل أحد المشاهدين لينبهه إلى تصاعد انفعاله إلى درجة الرغبة في القصاص المتعجل . وبالطبع أخذ هذا الحوار الإشتباكي جزءا كبيرا من الوقت المخصص لظاهرة العنف المجتمعي في مصر , وكان علينا أن نتحدث على عجل نظرا لضيق الوقت . وفي بداية الحوار لفت نظر الأستاذ جمال عنايت إلى أن طبيعة الحادث وما نتج عنه بالإضافة لتصريحات رئيس الهيئة جعلاه في حالة استفزاز وغضب شديدين , وأن شيئا مثل هذا (بل أكثر منه بكثير) يحدث للمصريين كل يوم , فالمواطن المصري يعيش حالة استفزاز دائمة بسب الضغوط الحياتية وبسبب عشوائية القرارات وبسبب انعدام الرعاية الصحية , وبسبب التعقيدات الروتينية في المصالح الحكومية وبسبب نقص الإحتياجات الأساسية , وبسبب إهدار حقوقه الإنسانية , وبسبب تهميش أو إلغاء دوره السياسي , ونتيجة لكل هذا تتراكم شحنات من الإحباط والغضب في نفس الشخص لكي تنفجر في أي لحظة ومع أي استثارة , وقد يكون الإنفجار موجها نحو شخص ساقته الأقدار وليس له علاقة بجذور العنف لدى المعتدي فتخرج الشحنة فيه طبقا لمفهوم "إزاحة الغضب" , خاصة إذا كان توجيه الغضب نحو أصحاب الشأن الأصليين صعبا أو محفوفا بالمخاطر , وهنا يتجه الشخص بغضبه وعدوانه نحو شخص أضعف أو في ظروف تجعله أضعف فيصب عليه عدوانه المتراكم عبر السنين . ومن هنا نفهم كيف أن الإستبداد السياسي والقهر الإجتماعي يمكن أن يزيدا من العنف البيني (بين الناس وبعضهم) حين يستحيل على الشخص تغيير واقعه أو التعبير عن غضبه تجاه من استبدوا به أو قهروه . وكان من الأشياء الإيجابية مداخلات المشاهدين والتي تنم عن وعي عميق بالمشكلة ودواعيها وطرق حلها وتعكس تنامي ما يمكن أن نسميه "الديموقراطية الإعلامية" (بديلا للديموقراطية السياسية المفقودة) , وأيضا طريقة إدارة الحوار بواسطة محاور ذكي ولمّاح ومشاغب أحيانا ......وقرب النهاية سألني عن الحل على المستوى الفردي , وتساءل مداعبا أو ساخرا إن كانت هناك نصائح بممارسة الإسترخاء والتنفس العميق المنتظم , أو أن يعد الجاني من واحد لعشرة قبل الإقدام على جريمته لعله يتراجع عنها بعد أن تهدأ ثائرته , وقد اعتبرت هذا مزاحا أو ربما يكون سخرية مما يقوله بعض أنصاف المتخصصين في مثل هذه المواقف , واستنكرت مازحا (أنا الآخر) فكرة حل المشكلة على طريقة عبدالمنعم مدبولي بتكرار عبارة "أنا مش قصير ومكير أنا طويل واهبل" , واستبعدت (بعد أن فرغنا من المزاح العابر والمقصود وعدنا إلى الجدية القاتمة) إمكانية نجاح الحلول الفردية أو الحلول الطبية وحدها في هذه المشكلة , وحاجتنا إلى إصلاح حياتي شامل , وهنا خشيت أن أتورط في الحديث بعبارات ضخمة وشعارات كبيرة لا يتحقق منها شيئا فتوقفت .

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed