ينبغي تفادي النظر إلى الصور بعيون باهتة محملقة متقبلة والعمل على التسلح بالنظارة النقدية التي تتمثل مهمتها في الفرز والتقويم والتشخيص حتى يتسنى لنا التمييز بين الأباطيل والحقائق وبين العلمي والإيديولوجي وبين الذاتي والموضوعي.
1-     سطوة الصورة:
"إن الرقمية هي المبدأ الميتافيزيقي الآن..." بودريار
الإنسان مخلوق الطبيعة الثائر وهي في تقدم مستمر وهذا التقدم شمل المجال الذي من خلاله يظهر للآخر ويتواصل معه وهذا المجال هو مجال الأدوات والسبل التي يستعملها لإدراك الكون والتعبير عن هذا الإدراك ورغم أنه خلق هلوعاً جزوعاً وأبدى انزعاجه وحيرته أمام غموض الطبيعة ولا تناهي الكوسموس وعبر عن ذلك حكماء الإغريق بقولهم:"إن الوجود غير موجود وان وجد لا يمكننا إدراكه وان أدركناه لا يمكننا التعبير عنه" إلا أنه تجاوز هذه الحيرة و فك عقدة الارتياب بتبني بعض الرؤى العفوية للعالم مثل الأسطورة والسحر والدين التي أعطته تمثل موحد للكون جعله ينتصر للثقافي المكتسب ضد الطبيعي الموروث وليبدأ رحلة الحضارة ويكتب مسيرة التنوير يتعرف عبرها عن كل ما يحيط به أولا وعن كل ما يوجد في قرارة نفسه ثانيا. ولم يتميز الانتقال إلى الحداثة  باستبدال صورة العالم القديمة بصورة حديثة فقط بل بتحويل العالم نفسه إلى صورة منظمة ناتجة عن القدرة التمثيلية الخاصة بالذات.
اللافت للنظر أن هذه القصة الحضارية عرفت ثلاث فصول كبرى:الأولى هي فصل القراءة وعرفت بالبداوة والمشاعة حيث كان إنسان يعتمد على الملفوظ الحي المباشر وكانت اللغة هنا قريبة من الحركات الطبيعة وأصوات الحيوانات ووقع الاعتماد على الذاكرة والخيال التكراري وقوة الحفظ ،والفصل الثاني سمي بمرحلة التدوين وهي مرحلة الانتقال من القراءة إلى الكتابة حيث اكتشفت آلة الطباعة وصارت الأفكار تحفظ في برديات ومصاحف وكتب،أما الفصل الثالث سمي بمرحلة المشاهدة وهنا ظهرت التلفزة والسينما والقنوات الفضائية التي تضخ كم هائل من الرموز والصور والمشاهد وتفجرت الثورة الرقمية باختراع الأنترنت بحيث صار العالم قرية صغيرة يمكن الاطلاع على ما يحدث فيها في بضع دقائق وصار بالإمكان التحكم والتوقع والتعرف على ما وقع في الماضي البعيد دون مشقة تذكر.
FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed