البوابة
الإحتباس النفسي
... هل سيتحملون دخول عباس ورفاقه إلى قطاع غزة فوق دبابة إسرائيلية أو أمريكية أو حتى متعددة الجنسيات المعادية للمصالح العربية والإسلامية ؟؟ ...هل سيتحملون ويبتلعون تلك التصريحات التي أطلقها ساركوزي عن أن النظام المصري يقول : " لا يجب أن تنتصر حماس" , وهو ما يعني صراحة أنه " يجب أن تنتصر إسرائيل" ؟؟ .. هل يحتمل الناس سكوتا أو مشاركة أو تواطؤ في كل مراحل هذه المواجهة الساخنة بين المقاومة الفلسطينية الحقيقية وبين إسرائيل ؟؟ .. هل يحتمل الناس هذا التحالف الظاهر مع رؤى إسرائيل وأمريكا في الصراع مع المقاومة مهما تكن الأخطاء المزعومة لحماس ؟ ؟ .. هل يحتمل الناس تشوه صورة مصر في الخارج والهجوم على سفاراتها على اعتبار سكوتها أو تعاونها أو تحالفها مع المعتدي الإسرائيلي ؟؟ ... هل يقدر الناس على تغيير قناعاتهم ومعتقداتهم الدينية والتاريخية والوطنية والواقعية بأن إسرائيل هي العدو الأول لهم ؟؟ .. وهل يستطيع الناس بناءا على متطلبات الموقف الرسمي أن يمسحوا ذاكرتهم وينسوا اعتداءات وإهانات وانتهاكات وبشاعات العدو الصهيوني على مدى ستين عاما , وحتى هذه اللحظة ؟؟ .
إن الموقف الرسمي المصري بشكل خاص والعربي بشكل عام , إذ ينحاز أو يتقبل أو يتفهم أو يستوعب أو يتعاون , أو يسكت عن العدوان الإسرائيلي تحت أي ذريعة من الذرائع , إنما ينفصل عن التاريخ وعن الجغرافية وعن وعي الناس ومشاعرهم ودينهم وثقافتهم , وهنا يحدث الإغتراب والمفارقة , ويسير كل طرف عكس الآخر , وهذا وضع شديد الخطورة وللأسف هو حادث الآن لدى قطاع هائل من الناس سواء منهم المثقفين أو العوام , والنتيجة إما نفجارا وإما حتباسا , وحيث أنه لا توجد في الوقت الحالي مظاهر للإنفجار , فيبقى احتمال الإحتباس هو الأقوى .
وإذ تتراكم المشاعر لدى الناس بينما لا يجدون مسارات يعبرون بها عن أنفسهم , أو يتحركون من خلالها لفعل شئ ما , هنا تحدث انسدادات في نفوسهم , وتتراكم بداخلهم مشاعر غضب , أو حزن , أو إحساس بالذنب , أو إحساس بالقهر , أو إحساس بالخزي , أو إحساس بالنذالة , أو إحساس بالعار , أو فقدان الرجولة , أو انعدام النخوة والشهامة والمروءة (إذ كيف ترى مجموعة أوغاد يقتلون إخوانك , وأنت تحوطهم من كل ناحية وتمتلك أوراق ضغط وفعل كثيرة ومع هذا تقف متفرجا لا تفعل شيئا) . وكلما اشتدت سخونة المعركة في غزة وزادت المشاهد البشعة التي تعرضها الفضائيات للوحشية الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني كلما ازدادت المشاعر المتراكمة , وفي ذات الوقت يزداد القمع الأمني والسياسي لتلك المشاعر , وهنا نحن أمام احتمالين : الأول , أن يحدث انفجار هائل لتلك المشاعر في لحظة بعينها ينكسر فيها حاجز الخوف أو يزيد الضغط الداخلي بشكل مؤثر , الثاني : أن يكبت الناس مشاعرهم , ويتحولوا إلى حالة من اللامبالاة والإحباط المزمن , ويزيد لديهم العدوان السلبي والعدوان البيني (بينهم وبين بني جلدتهم) , أي يتحول الغضب والعدوان إلى الداخل فيشل حركة النفس والمجتمع , ويشل إرادة مجموع الناس ليتناسب ذلك مع شلل الإرادة الرسمية العربية (المقصودة أو المفروضة) .
والناس قد تعودوا على الحل الثاني (الكبت واللامبالاه والإحباط والغضب المكتوم والعدوان السلبي والعدوان البيني , وما يتبع ذلك من الإنصراف إلى اللهو والعبث مع قنوات التليفزيون ومواقع الإنترنت وصالات الإحتفالات حيث لا تستطيع أن تغمض عينيك) , واستخدموا هذا الحل في مواجهة تزوير الإنتخابات , وفي مواجهة إلغاء الإرادة الشعبية أو تزييفها , وفي مواجهة غلاء الأسعار , وفي مواجهة الفقر , وفي مواجهة التطبيع الإجباري مع إسرائيل , وفي مواجهة تصدير الغاز للعدو الصهيوني رغم الرفض الشعبي والحكم القضائي , وفي مواجهة الإستبعاد والتهميش لكل القوى السياسية والشعبية المختلفة مع الرؤية الحكومية , وفي مواجهة الكوارث التي يتسبب فيها الكبار وينجون من الحساب ويهربون إلى الخارج ليعيشوا في قصور ويستمتعوا بما نهبوه من أموال الشعب . ولكن هل ينجح هذا الحل في هذه المرة بالذات ؟ ..