طباعة

في سيكولوجيا الغربة والاغتراب وتفكيك الأوطان

Posted in الثقافة


وإذا كانت هجرة الكفاءات العلمية والاقتصادية والمهنية تسبب الكثير من الخسائر المادية, متمثلة برأس المال واستنزاف الطاقات البشرية المدربة والمؤهلة والمنتجة وذهابها بعيدا عن موطنها الأم, وتدني الدخل القومي نتيجة لانخفاض مستوى الإنتاج, وعرقلة انجاز الخطط التنموية, وتغيرات في التركيبة السكانية من حيث النوع والعمر, والخسائر الاجتماعية  والخدمية والثقافية والحضارية, فأن الهجرة القسرية للأحرار والديمقراطيين واللبراليين من سياسيين ومفكرين ومثقفين ومبدعين هي الأكثر وجعا لذات المهاجر الذي يحمل الحلم الكبير في التغير, وأشد ألما يلحق بالوطن, حيث يضعف تشكيل البدائل المعارضة لفكر وثقافة أنظمة القمع والدكتاتورية في أرض الوطن, مما يترك هذه الأنظمة تمارس مزيد من الانفراد والتحكم والهيمنة والقمع على شعوبها وحجبها عن النهضة الفكرية والثقافية والتنموية, و يجعلها فريسة سهلة لفكر التطرف الديني والسياسي في لحظات التغير المطلوب, مما يزيد من تصحرها وتخلفها الفكري والحضاري !!!!!.

أما الوجه الآخر لتصدع الأوطان فهو الاغتراب عنها من داخلها, أي الإحساس بالغربة داخل الوطن وأنت فيه, والاغتراب هنا ضمن هذا المفهوم يمثل نمطا من التجربة التي يشعر فيها الإنسان بالغربة عن الذات, فهو لا يعيش ذاته كمركز لعالمه أو كصانع لأفعاله ومشاعره. ومعاني الاغتراب متعددة, اجتماعية ونفسية واقتصادية, ويمكن إجمالها في انحلال الرابطة بين الفرد والمجتمع, أي العجز المادي عن احتلال المكان الذي ينبغي للمرء أن يحتله وشعوره بالتبعية أو يحس الانتماء إلى شخص أو إلى آلية أخرى, فيصبح المرء مرهونا لها, بل مستلبا. وهذا ما يولد شعوريا داخليا بفقدان الحرية والإحباط والتشيؤ والتذري والانفصال عن المحيط الذي يعيش فيه.

وبعيدا عن التفاصيل في تتبع مفهوم الاغتراب في الفكر الفلسفي والاجتماعي بما لا تتحمله المعالجة في هذا المقال, نؤكد باختصار شديد أن الاغتراب في المفهوم الديني ولدى الأديان السماوية الثلاث " اليهودية والمسيحية والإسلام "  يلتقي عند مفهوم واحد, أي بمعنى الانفصال, انفصال الإنسان عن الله, وانفصال الإنسان عن الطبيعة " الملذات والشهوات ", وانفصال الإنسان  "المؤمن " عن غير "المؤمن ", وأن المفهوم الديني للاغتراب عن الآخر وعن الطبيعة ينطوي على أن الاغتراب ظاهرة حتمية في الوجود الإنساني وحياة الإنسان على الأرض ما هي إلا غربة عن وطنه الأسمى, وطنه السماوي,

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed